مع استمرار الاضطرابات والتحولات في الشرق الأوسط، وحالة عدم اليقين وصعوبة التنبؤ بتأثيراتها على المنطقة، تسعى الدولة الصهيونية لمحاولة استغلال الاضطرابات والتحولات لمصلحتها، فضلاً عن محاولات الصيد في الماء العكر،
واللعب على التناقضات والتخوفات المتعاظمة منذ سنوات في المنطقة، لتثبت للمجتمع الدولي أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس جوهر صراعات منطقة الشرق الأوسط، مثلما أنه ليس مصدر عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي دحض حقيقة أن حل هذا الصراع من شأنه العمل على تعزيز الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي يضعف الصورة الواقعية للدولة الصهيونية كدولة احتلال ترفض «التسوية»!
واليوم، يتصاعد الصراع على امتداد الإقليم الشرق أوسطي، وتكثر المشاريع، بعضها يتوافق مع البعض الآخر، وبعضها الآخر يتعارض كلياً. مشروع أميركي، وآخر روسي، وثالث إيراني، ورابع تركي.. يتحالف هذا مع ذاك ويسعى لإسقاط غيره. كلها مغلفة بالصراع على النفوذ بين الدول الإقليمية الكبرى. وهناك خلاف بين المملكة العربية السعودية (الدولة السنية التي تحاول خلق مشروع عربي إسلامي) من جهة، وبين إيران الساعية - ما وسعها الجهد- لتمثيل الشيعة في العالم الإسلامي. وقد أضحت هذه المشاريع الدولية والإقليمية بمثابة حروب وقودها الطائفية والعصبية المذهبية. هذا، وقد تفاقم الوضع بعد تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن دعم الدول العربية المعتدلة، وظهور قوى إقليمية على رأسها إيران وتركيا تحاولان فرض سياستيهما على المنطقة، وبخاصة بعد أن رأت الدولة الصهيونية فرصتها في أخذ دورها المأمول صهيونياً، بذريعة أن إيران هي العدو الأول لإسرائيل الساعية لإبادتها، «حالمة» بإنشاء قوة راعية لبعض الأطراف، بحيث تصبح هي زعيمة هذا المعسكر!
إذن، تسعى الدولة الصهيونية إلى توسيع نفوذها، مرتكزة على تصوير الواقع بأنه قتال بين السنة والشيعة، وأن مصلحتها مشتركة مع هذا المعسكر أو ذاك! فهي مثلاً قد حددت مصالحها الاستراتيجية إزاء الأزمة السورية في خطوط حمراء تراعي مصالحها، ومنها بالأساس منع سقوط أي نوع من الأسلحة البيولوجية والكيميائية في أيدي عناصر متطرفة، أو في أيدى «حزب الله» أو إيران، واستمرار الهدوء عبر حدودها الشمالية. ولعل الأمر الملح بالنسبة لإسرائيل سورياً هو العلاقات السورية الإيرانية، فهي ترى في استمرار هذه العلاقة قوةً لإيران، وفي انقطاعها ضربة لها ولنفوذها في المنطقة. كذلك، ومع رفع الحظر عن إيران، يسوِّق قادة الدولة الصهيونية لما يسمونه «شراكة كاملة» مع «المعسكر السني» بدواعي «المصلحة المشتركة» في المواجهة مع إيران (العدو المشترك) في المنطقة! وفي هذا السياق، تحدث وزير «الحرب» (موشيه يعلون) عن التقارب المزعوم، خلال مؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، واعتبر أن المعسكر الأكثر أهمية هو المعسكر السني، وأن «لإسرائيل مصالح مشتركة عديدة مع هذا المعسكر، وهذا هو الأمر الأهم لتأسيس علاقات بين الجانبين في الوقت الحالي، أكثر من السلام وأكثر من الاتفاقات والاحتفالات. هذا المعسكر محبط كثيراً من الخيار الأميركي في رؤية إيران لاعباً رائداً في المنطقة».
أما رئيس أركان جيش الاحتلال «غادي أيزنكوت»، فإنه يعزف على أوتار مشابهة تقريباً، ذلك أن «الوضع في الشرق الأوسط يخلق فرصاً أمامنا، وأنه كلما تعمقت الأزمة بين إيران والسعودية، فإن إسرائيل تتقرب من السنّة أكثر فأكثر. وهذا التقارب سيرقى إلى مرحلة أعلى بعد رفع العقوبات عن إيران، وقد يتحول إلى شراكة حقيقية». بل إن بنيامين نتنياهو غاص في أحلام التمني، معتبراً أن «ثمة تغييراً دراماتيكياً في العلاقات الخارجية لإسرائيل، في المدة الأخيرة، بينها وبين جيرانها العرب الذين يرون فيها حليفاً، وليس تهديداً»(!)، داعياً مسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى «أن يظهروا لإسرائيل الفهم نفسه الذي يُظهره لها جيرانها العرب الذين كانوا هم الأعداء التقليديين للدولة اليهودية»!
ومن الواضح أن الدولة الصهيونية نجحت إلى حد ما في تهميش الملف الفلسطيني، وتتمنى - ما وسعها التمني- إقامة تطبيع سياسي وأمني مع أطراف عربية، بحيث يجعل منها ذلك قوة إقليمية ودولية كبرى، تكون قادرة على فرض هيمنتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على المنطقة.
لكن في سياق التفاؤل الذي لابد أن نعيشه، نتساءل: هل هناك إمكانية لقيام مشروع عربي، نعيد على أساسه ترتيب أوراق المنطقة، ويكون مشروعنا الذي يقف في وجه المشاريع الأخرى، وعلى رأسها بالطبع «المشروع الإسرائيلي»؟!
< السابق | التالي > |
---|