في ظل إجماع شعبي ودولي على غياب أي إصلاح حقيقي في الأردن، لم يبق سوى ورقة الانتخابات النيابية لترويجها كمسكّن لحين انقشاع ما يظن انه "غمامة الربيع العربي". ولهذا استماتة حلقة الحكم على تمرير قانون الانتخاب عبر مجلس مزوّر مطواع.. ومع أن مجلس الأعيان، "مجلس الملك" أقرّ القانون، فقد اضطرّ الملك لرده نتيجة الغضب الشعبي العارم.
ولن أقف هنا عند اختلاف القانون مع مطالب الشعب، بل سأتوقّف عند صياغته التي لا يقبلها لنفسه أي مشرّع "نص كم"، وليس مشرعًا محترفًا. وسأُنبّه لحشر الأحزاب فيه، لأُبيّن لاحقًا أيضًا حال الأحزاب التي يُريد واضعو القانون التحالف معها بعد إيصالها للمجلس.
القائمة على مستوى الوطن حُدّدت بسبعة عشر مقعدًا فقط. ذلك أن مائة وثمانية مقاعد كانت تحوّلت لفردية بقانون الصوت الواحد، وأصبحت "افتراضية" بنصّ القانون الذي أنتج لمجلس الحالي، اعتبرت "حقوقًا مكتسبة" للمنفعين منها لا يجوز المساس بها، فيما القائمة على مستوى الوطن حق لم يكتسبه الشعب طوال قيام الدولة الأردنية. فرغم نصّ الدستور على تعريف النواب بأنهم "نواب أمة"، ولم يسمح لحينه بانتخاب نواب على مستوى كامل الوطن والشعب الذي يمثلونه.
غلبة التحايل أسقطت صيغة القانون في حالة لا يُمكن وصفها بأقل من "الغباء التشريعي". فالقانون يتحدّث عن إنشاء دائرة انتخابية بقوله (وبكل ما في مبنى هذا النص من أخطاء لغوية يمكن ان تؤدي لخلط المعنى): "تنشأ في المملكة دائرة انتخابية على أن تكون قائمة نسبية مغلقة تشمل جميع مناطق المملكة ولا يستثنى منها أبناء دوائر البادية والكوتات المنصوص عليها في هذا القانون ويخصص لها سبعة عشر مقعدًا نيابيًّا.." وأترك تفاصيل الأخطاء اللغوية للقارئ العادي قبل المختص، لأنتقل لأخطاء أخرى تشريعية.
وأبدأ بالصوت الواحد في الدوائر المقسّمة، والذي يُفتّت الشعب وحتى العشيرة والأسرة الواحدة ويجعل النواب أقرب "لمخاتير" ويسهل التزوير ضد او لصالح النائب الفرد ذاك. فالقانون يبقي على الصوت الواحد بقوله: "يكون لكل ناخب صوتان على النحو التالي: 1- صوت لدائرته المحلية 2- صوت للدائرة الانتخابية العامة". فيما مادة لاحقة عن مجريات الاقتراع تقول: "يقوم المقترع بكتابة اسم مرشح واحد أو مرشحين اثنين او التأشير على أي منهما أو كليهما على ورقة الاقتراع المخصّصة للدائرة الانتخابية المحلية وفق ما تُحدده التعليمات التنفيذية"!! معروف بداهة أن "التعليمات" تأتي دون الأنظمة التي تأتي بدورها دون "القانون"، وتوضع لتطبيق القانون وليس لتعديله.. فهل سيعود لتعليمات تصدرها الحكومة أو هيئة مراقبة الانتخابات أو وزير معني، تعديل نص القانون السابق ليصبح للناخب صوتان؟؟ وإن بقي الصوت الواحد، فلماذ يؤشر الناخب على "أي منهما"، فمن "هما" والمرشحون عن الدائرة كثر؟؟!!
وبعد أن نصّ القانون على "دائرة انتخابية عامة" نجد أن واضعي القانون، ربّما في محاولة تسلل لحصر الترشيح لتلك الدوائر بالأحزاب المسجلة لدى الدولة في تفسير "آخر لحظة" لردّ ترشيح قوائم تمثل قطاعات وطنية بحق، قد سقطوا في نصوص متناقضة. فهنالك مادة تقول: "تتم الإشارة خلال العملية الانتخابية إلى القائمة المرفقة... باستعمال اسم الحزب أو أسماء الأحزاب المتآلفة حسسب مقتضى الحال".. وفي المادّة التي تتعلق بتسجيل وانسحاب المرشحين، يُقال أولاً أن "منسق القائمة" يُقدّم طلب ترشيحها موقعًا عليه من كل المرشحين، ثم في مادّة لاحقة يستعاض عن المنسق بأمين عام الحزب الذي لم يذكر من قبل، ويُقال "أسماء وقوائم الأحزاب التي قدّم أمناؤها العامون طلبات الترشيح بالطريقة التي تُحدّدها التعليمات التنفيذية".. والعودة هنا للتعليمات التنفيذية تُسقط حسن الظن المنسوب للغباء، لصالح سوء الظن باختلاطه بنية غش مؤجّلة "للتعليمات".
وما يُرجّح سوء الظن، مادّة عجيبة تُجيز لمفوّض القائمة أن يسحب اسم أي شخص من قائمة المرشحين ويقدم اسمًا بديلاً عنه وفقًا "للتعليمات التنفيذية".. والنصّ بصورته هذه يُفيد حق المفوّض (الذي يُصبح في مكان آخر أمين عام الحزب بدون تفسير لاختلاف التسمية) سحب ترشيح من يشاء دون موافقة المرشح المعني.. والخلل أو الغش يمتدّ للاسم البديل، بخاصة لكون نصّ صريحٍ سبق وأفاد بأنه لا يجوز أن يُقدّم في القائمة اكثر من سبعة عشر إسما، دون ذكر قائمة بديلة!!
أمّا الأحزاب، فحالها يتطلب مقالة أخرى. ولا عجب من أن أحدث بيان صدر عن الحراك الشعبي الأردني جاء بعد ردّ الملك للقانون بدل تصديقه.. ومع ذلك كان من أبرز ما حواه البيان رفض صريح وحاسم "لاستحمار" الشعب!!
< السابق | التالي > |
---|