لابد لنا من الشعور بالسعادة، في سواد سماءنا تفتق قليل عبر فسحة من نور، ندعو الله أن تكبر ليشمل الدول العربية جميعا التي حرقها الربيع العربي فصارت رمادا، يقاتل شعبها بعضه بعضا، وتذهب مقدرات الوطن وبنيته التحتية هباءً.
ثورة الياسمين عادت لمسارها الحقيقي فبعثت لنا عطر الياسمين مواكبا لرائحة قداح الليمون والبرتقال، لخضرة زيتونها وحلاوة تمر جنوبها، أرسلت نسمة فرح تمر في أجواءنا العربية المتجهة.
لابد لنا ان نفخر بأن التوانسة استطاعوا السيطرة على مشاعر الثارات والحقد، ونفوا العنف خارج دائرتهم وقرروا نصر الوطن،الوطن فوق كل شيء.اجتمعوا تحت رايتهم فرحين مصفقين وصدعت النسوة بالزغاريد، إنه عرس الديمقراطية الحقيقي..
لست وحدي من يعرف عن أهل تونس الكثير من النظام وحب القانون، وأن أغلب قادة الفكر فيهم قد تعلم ودرس القانون،وتتلمذ على كبار القانونيين الفرنسيين، تأثر وأثر.
إذا كان ذاك الكهل وقف في وسط الشارع وزعق بعلو صوته ( هرمنا ). رددت صدى الكلمة العواصم العربية، لاشك أنه الآن يسجد شكرا لرب العالمين.
لحظات التصويت على الدستور تاريخية بالنسبة لوضعنا العربي الحالي، روح التلاحم التونسي رفرفت عاليا.
هذا لم يمنعني من تذكر أنشودة لطفي بو شناق ( أنا المواطن ) أثناء متابعتي للتصويت على الدستور.. راجية أن يتحقق حلم لطفي بو شناق :
(أنا المواطن وحاير انتظر منكم جواب.. / خذوا المناصب والكراسي لكن خلو لي الوطن /.وبكى وأبكانا..
لعل قلبه أرتاح و وجد له الجواب وهو يتابع كما تابعنا نحن..ويأمل كما نأمل أن يتطبق الدستور ويخضع الجميع له.
تونس بعثت لنا بنسمة فرح خففت تعب وألم ما يحدث فيما حولنا من تناحر وقتل وتأجيج للثارات القديمة التي كانت من التاريخ..
من كل قلبهم في بداية التصويت أنشدوا النشيد الوطني التونسي، ورفعت الأعلام ذاك شدد حماس المصوتين لإختيار الوطن والسمو به بعيدا..
(حماة الحمى يا حماة الحمى
هلموا هلموا لمجد الزمــن
لقد صرخت في عروقنا الدما
نموت نموت و يحيا الوطن)
في النشيد المقطع الأقوى من قصيدة أبو القاسم الشاني :
(إذا الشعب يوما
أراد الحياة فلابد
فلابد أن يستجيب
القدر ).
ولدت تونس جديدة، ولها دستور سيكون مرجع يحميهم من فوضى قد تأتي، فالدساتير عادة ثابتة والقوانين والأنظمة هي المتغيرة حسب الحاجة، تكون دائما في إطار الدستور الذي ينظم عادة العلاقة بين الحاكم والمحكوم عبر السلطات الثلاث.
لتونس أن تفخر فقد عرفت مجلة واضحة للأحوال الشخصية،لعل الدستور الجديد حفظ تلك الحقوق..
نعرف أن مجلة الأحوال الشخصية صدرت في عهد الحبيب بو رقيبة،وهذه حسنة تعد له، يهمنا كنساء عربيات ألا ينسى الدستور الجديد هذه الحقوق للمرأة وأطفالها، وخاصة فيما يتعلق بالحضانة والنفقة،التي أسس نظام الأحوال الشخصية صندوق النفقة، بحيث لا يعتمد الأمر على اريحية الزوج الذي طلق، إنما يكون حفظ الأسرة وحفظ حق الأطفال بالتعليم والرعاية، المحافظة على كرامة الصغار وأمهم، حتى تقرر المحكمة مقدار النفقة بناء على دخل المطلق..
من أجمل مظاهر الدستور التونسي أن قادة الفكر في تونس كل قدم تنازلاته، ولم يكن لحزب أو جماعة حظوة دون غيره..هذا من شأنه أن يمنع حزب أو جهة من العبث،كما يمنع من التصفيات والإجتثات، وكأن الأوطان لابد أن تكون لفئة دون أخرى، بينما هو متاح للجميع، وهو فوق الجميع..
لنحيي تونس ونبارك لها ونتمنى لياسمينها أن يكبر ويشرق بياضه على الجميع..
< السابق | التالي > |
---|