لركوب المرجيحة شعور جميل، يمكنه خلق آلاف الفضاءات، عني عندما كنت صغيرة كلما ارتفعت قدماي أكثر عن الأرض شعرت بفرح يغشاني يطير بي بين الغيمات ولكل غيمة سيكون اسم وفعل. تأتي روح مرحة تدغدغ كل شيء في مشاعري،
لا يجاري هذا الشعور إلا شعوري وأنا أسرق دراجة أخي وأطير بها عبر الأزقة المتربة وصولاً للشارع العام وكأنني أشق الهواء فيها مندفعة، دائماً تحدث الكبسة هناك.. وهي كبسة ليس بها الكثير من العنف كثر الابتسامة المتخفية خلف عبارات التخويف. لم أخف، وكنت أعاود الشغب اللذيذ، تؤشر جدتي كل مرة بشاهدها بأمور لتخيفني، فأترك الخوف لها..
المرجيحة والدراجة حضرتا في بعض قصصي القصيرة القديمة..
في المرجيحة الحلم الطائر على أجنحة ملائكية ووجيزة لا تتعدى بضع ثوانٍ كغفوة.. وبها كركرة ضحك لفرحة بسيطة من القلب.
ترسم البنات وهن طائرات بها وجوه نورانية، تحيط بهن عصافير ملونة.. يكون تواجد أكثر من واحدة مبهجاً. خاصة بعد أيام مربكة من دراسة وامتحانات وتوتر في تفكيرهن، في صعودها تعطيل للتفكير وجمع العلامات وقسمتها والبحث عن درجة النجاح أو التفوق..
الحديث عن المرجيحة وعالمها الجميل التي تكاد تكون لعبة بناتية، فهي تختص البنات، وحتى بعض النسوة.. هذا الحديث عن المرجيحة ما كان ليكون لولا ما تناوله البعض عبر هشتاق (غزوة ذات المراجيح)، وصورة أدعو الله أن تكون مفبركة، فلا يمكن ان أتخيل أن ذلك حقيقة، سيارة حكومية بكل جلال قدر الحكومة وعظمتها يترجل منها رجلا الهيئة ليضبطا فتيات بجرم التمرجح في الهواء الطلق..
لا أدري عن وضع هؤلاء الفتيات المغطيات بالسواد من أعلاهن لأسفلهن، ربما أنهين للتو امتحاناتهن واتفقن على المرور بالمراجيح وكأنهن يقمن عيداً لنهاية الامتحانات، وربما التقين صدفة أو جيران تواعدن أو بنات عم وأخوال.. المهم كانت الكبسة عليهن من قبل رجلي الهيئة وحتى الآن لا أصدق أن تلك السيارة البيضاء التي تيسير بكل هيبتها وقوتها لضبط من يأتي بأعمال منافية للدين والشرع، أن تستعرض بأسها وقوتها ورجولة رجالها على هؤلاء الفتيات الصغيرات المتمرجحات..
ماذا رأى رجل الهيئة من منكر يقومه، ومن سوء سلوك يعدله إلا أنه أرهب هؤلاء الصغيرات وأفزع قلوبهن الغضة..
قد تبدو هيئة الأمر بالمعروف وكأن رجالها الميدانيين في واد، والرئيس-ذا المنطق السليم- في واد آخر. فمرؤوسوه المكلفون بتنظيم عمل الفرق الميدانية السيارة، لا يستطيعون السيطرة على رجالهم. وهذا قد يرجع إلى عدم وجود نظام يوضح العلاقة المفروض أن تكون بين رجل الهيئة وجمهور الناس من جهة وبين الهيئة كمنظومة من جهة ثانية، بحيث أصبحت كمثل ما قاله غوار (كل من إيده إله)، لا يملك المواطن العادي إلا الصمت خوفاً وجزعاً.. أو صراخاً يتدخل على أثره المارة.. وتكبر حلقة الصراع بين المواطنين والهيئة.. ومن ثم بينها وبين الإعلام وهلم جرى..
ليس من اللائق أن يكون رجال الهيئة أداة ترهيب وتخويف وأن ينغصوا على فتيات صغيرات فرحتهن، ويزرعوا الرعب فيهن، ألا يكفي أنهن بلا رياضة ولا نوادٍ رياضيه لهن، ولا مسابقات فكرية، ولا مراسم أو مسارح، لا شيء لهن، حتى المراجيح تصادر، فترى ماذا بقي!!
ولازلت أتمنى أن الصورة مفبركة..
< السابق | التالي > |
---|