بعيداً عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وقريباً من تجاهلها شبه التام، تتوجه إسرائيل إلى الشعب الفلسطيني عبر أشكال عديدة. ففي الوقت الذي تحبط فيه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) كل مساعي المفاوضات وتقف بوجه أي خطوة فلسطينية دولية،
تجهد إسرائيل في العمل على كسب ود الشعب الفلسطيني في محاولة لتهميش السلطة الفلسطينية ولزيادة الانقسام سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وحتى في فلسطين 48.
وفي السياق المذكور أعلاه، وبخطوات غير بريئة ولا إنسانية، خففت سلطات الاحتلال القيود على زيارة المسجد الأقصى، الذي يعتبر أحد أسباب التوتر المستمر في القدس المحتلة، بل ما زالت - رغم جرائمها الأخرى - «تمنع» المتطرفين اليهود من الصلاة في داخله. كما سمحت تلك السلطات للفلسطينيين من أراضي 48 بزيارة المسجد الأقصى دون تحديد لعمر الزائر الذي كان محدداً في السابق لمن تجاوز سن الخمسين. بل إنه، بين فترة وأخرى تسمح إسرائيل لمئات من فلسطينيي قطاع غزة بزيارة المسجد الأقصى، خاصة أيام الجمع، مع استمرار تسهيل زيارات فلسطينيي الضفة الغربية إلى أراضي 48.
وبعد أن تراجعت أعداد العمالة الفلسطينية في «إسرائيل» منذ الانتفاضة الأولى، مروراً باتفاقات أوسلو والانتفاضة الثانية، عادت سلطات الاحتلال اليوم -وعلى نحو غير بريء وغير إنساني- لتسهل دخول الفلسطينيين للعمل في أراضي 48! وفي هذا الإطار، كشف تقرير صادر عن بنك إسرائيل المركزي مؤخراً، تضاعف عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل بنسبة 100% في السنوات الأربع الماضية، موضحاً أن عدد الذين يحملون تصاريح عمل يصل إلى 59 ألف عامل بنسبة 64% من إجمالي عدد العاملين «داخل إسرائيل»، بينما يدخل باقي العمال بشكل غير قانوني حيث يغض جيش الاحتلال والشرطة النظر عنهم لتسهيل دخولهم. ويستثنى من هذه الأرقام العمال الفلسطينيون الذين يعملون في المستوطنات، حيث بلغ عددهم العام الماضي قرابة عشرين ألف عامل، طبقاً لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن 2014.
أضف إلى ذلك، محاولة سلطات الاحتلال الظهور أمام الفلسطينيين بأنها «أحن» عليهم من إخوانهم الفلسطينيين والعرب، وهي تروج أمام المجتمع الدولي بأنها لا تسعى إلى حصار الفلسطينيين كونها معنية بحرية الحركة والتخفيف من المعوقات الاقتصادية حفاظاً على حالة الأمن والاستقرار السائدة حالياً، في الوقت الذي تتشدد فيه السلطات المصرية على الحدود مع قطاع غزة وتواصل إغلاق معبر رفح! لذا، وقبل فترة وجيزة، سمحت سلطات الاحتلال بدخول 660 شاحنة إلى القطاع محملةً ببضائع ومساعدات ومحروقات من خلال معبر كرم أبو سالم، جنوب قطاع غزة، ضِمنها 7 شاحنات محملة بمواد إنشائية للمشاريع الدولية، و150 شاحنة محملة بالحصة الخاصة بالبنية التحتية للطرق والمشاريع المدعومة من الحكومة القطرية.
كذلك، أعلنت «الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية» أن إسرائيل وافقت على سلسلة تسهيلات للمواطنين الفلسطينيين على معبر بيت حانون، تتضمن زيادة أعداد المسافرين عبره، خاصة فئات المرضى والطلبة والتجار. وتشمل التسهيلات الإسرائيلية توزيع بطاقات «الشخصيات المهمة» VIP لرجال الأعمال، وخروج 800 تاجر من غزة يومياً إلى الضفة الغربية وإسرائيل بدلا من 400، وزيادة عدد تصاريح التجار من 3000 تصريح شهرياً إلى 5000. بالإضافة إلى السماح ببيع خضار القطاع في إسرائيل. وهذا كله، وإن كان يخفف من معاناة أهلنا في القطاع، فإنه يدخل في دائرة التوظيف السياسي للقفز من فوق رأس السلطة الفلسطينية وتهميشها.
وفي سياق التهميش ذاته، فإن من أخطر السياسات الإسرائيلية اليوم تركيز سلطات الاحتلال في تعاملها على الإدارات المحلية وتنمية علاقاتها معها، بحيث يكون التعاون ليس عبر «السلطة» بل مباشرة مع تلك الإدارات، مع خلقها وتشجيعها حالة الفلتان الأمني داخل المخيمات والتجمعات السكنية بل وداخل الفصائل الفلسطينية، وذلك بهدف العودة إلى مرحلة ما قبل الانتفاضة الأولى واتفاقيات أوسلو، في محاولة لإعادة إحياء فكرة تجربة «روابط القرى» سيئة الصيت التي سعت لها سلطات الاحتلال بدء من عام 1976، والتي هدفت إلى تفتيت الوحدة الوطنية في الضفة الغربية وإحياء النعرات القديمة بين أبناء المدن والأرياف.
وفي ظل كل ما سبق، ومع استمرار سياسة الاستيطان وتهويد الأرض، تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لترسيخ فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، من وحي وثيقة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق اللواء احتياط (إيجورا إيلاند) في مطلع 2010، والتي تكشف حقيقة المخططات الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية بالإبقاء على الانفصال بين شطري «الدولة الفلسطينية» وذهاب القطاع في خط سياسي مختلف ليزيد من صعوبة التوحد مع الضفة. إنه مخطط شيطاني يستدعي من عقلاء حركتي «فتح» و«حماس» (وغيرهما من فصائل وقوى حية) مزيداً من الانتباه ومزيداً من الجهد لإحباطه.
< السابق | التالي > |
---|