وانقضت ليلة مشهودة. حبست فيها الأنفاس، ليس فقط عند المرشحين بل عند مجموع الناخبين، بعد أن احتد النقاش بينهم على مدى أسابيع: مرشح الجماعة أم مرشح الفلول؟ ولكل فريق حججه. وللفريق الثالث - المبطلين والمقاطعين- حججهم. وتقاربت النتائج، واختلفت من لجنة إلى لجنة،
ومن محافظة إلى محافظة. وواضح أن مرشح الجماعة في المقدمة. وقد تحدث مفاجآت في آخر لحظة، تقلب الموازين. فنتائج القاهرة والجيزة لم تظهر بعد. وهما أكبر كتلتين تصويتيتين. الكل يحبس الأنفاس. فلربما الانقلاب الناعم مازال مستمرا، بعد قرار المحكمة الدستورية العليا إبطال قانون العزل السياسي، وبالتالي شرعية استمرار مرشح الفلول. وهو من مطالب الثوار. وبعد قرار المحكمة الثاني بحل مجلس الشعب وإبطال الثلث من الأعضاء لعدم تكافؤ الفرص في الترشيح. وأحاطت الدبابات بمجلس الشعب لمنع دخول النواب. وتتحدث الصحافة العالمية عن الانقلاب الناعم الذي يجري في مصر والذي مازال مستمرا بالإعلان الدستوري الثاني الذي يجعل القوات المسلحة فوق الدستور وبالإعلان عن تشكيل لجنة تأسيسية جديدة لوضع الدستور غير اللجنة المنتخبة من مجلس الشعب المنحل.
فإذا انتخب مرشح الجماعة، فإنه يأتي في فراغ بلا سلطات تشريعية أو تنفيذية، والتي احتفظ بها المجلس العسكري. فالمشاكل قادمة. ما علاقة الرئيس بالمجلس العسكري وباللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وبالحكومة؟ ومن الذي يعين رئيسها وله حق إقالته؟ وكيف يتعامل مع جهاز الدولة الذي ظل في معظمه يدين بالولاء للنظام السابق، ويصعب على المجلس العسكري التعامل مع مدني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، طبقا للدستور؟ وأين يجد المساندة والعون وقد تخلت الجماعة عن فرقاء النضال وزملاء التحرير، وأصبحت تعمل بمفردها ولصالحها الحزبي الخاص؟
والفارق ضئيل بين المرشحين في حدود 5% أي مليون ناخب من خمسة وعشرين مليونا من أصل خمسين مليونا لهم حق الانتخاب ومن ثم أتى الرئيس المنتخب الجديد ممثلا لربع الناخبين - اثني عشر مليونا. فهو رئيس بلا سلطات، وبلا جهاز دولة، وبلا قواعد شعبية إلا تنظيم جماعته الحزبي.
لذلك يأتي هذا الخطاب للرئيس للتأكيد على بعض ما يردده الناس فيما بينهم، لعله يسمع صوت الشعب قبل أن ينعزل في القصر، وهو الفلاح ابن القرية الذي تمتد جذوره في ريف مصر في وصايا عشر:
1- الاستقالة من الحزب ومن الجماعة. فالرئيس الآن هو رئيس كل المصريين، رئيس جمهورية مصر العربية، حتى تبتعد شبهة أن الرئيس يأخذ أوامره من الحزب، والحزب من مرشد الجماعة.
2- العودة إلى الميدان، والالتحام بفرقاء النضال، والحوار مع باقي القوى السياسية- الإسلاميين والليبراليين والناصريين والاشتراكيين، وكل فرق اليسار المصري حتى يجد الرئيس له قاعدة شعبية بعد أن سحبت من تحت أقدامه مجلس الشعب والجمعية التأسيسية المنتخبة منه.
3- استرداد ثقة الشعب وتبديد ما تخوف منه ودفع البعض إلى المقاطعة أو إبطال الصوت. فالدولة التي يريدها هي الدولة المدنية الديمقراطية التعددية الحديثة التي تحفظ حقوق الإنسان لا فرق بين ذكر أو أنثى أو مسلم أو غير مسلم، وأنه ضد تكفير المواطنين، وأنه رئيس جمهورية مصر العربية، الدولة الوطنية المستقلة لا ولاية ولا خلافة. فلا يتحدث أحد باسمه أو باسم الحزب أو الجماعة ويسيء إليه ويزيد تخوف الناس منه.
4- الحوار مع المجلس العسكري وأجهزة الدولة، والتعامل مع الجميع بالحسنى وتجنب أي محاولة لدفعه إلى صدام تكون مصر فيه هي الخاسرة. وكذلك الحوار مع الإعلاميين وتبديد مخاوفهم من تبديلهم وتعيين غيرهم، وأخذ الأمور بالتدريج وإشراك المؤسسات الإعلامية معه في أخذ القرار الصائب.
5- تحقيق أهداف الثورة التي طالب بها الثوار تدريجيا. ولم يتحقق منها شيء حتى الآن، ما دفع مرشح الفلول إلى رفع شعار «الأفعال لا الأقوال»، وأن يشعر المواطن بالثورة في حياته اليومية في رزقه وأسلوب معيشته، وتعليمه وصحته ومسكنه، ما دفع الناس بعد عام ونصف العام للتساؤل: وماذا فعلت لنا الثورة؟ والبعض يحن إلى النظام السابق، بلا طوابير خبز أو وقود.
6- القيام بمشروع قومي عاجل لإعادة بناء العشوائيات لإنقاذ أربعة ملايين من المصريين من سكان المقابر، بلا مياه أو صرف صحى، حيث تنتشر تجارة المخدرات وتعاطيها، وهي مكان لإيواء المجرمين الهاربين، ووضع ضرائب تصاعدية على ساكني القصور في المدن الجديدة التي بها حمامات السباحة ومهابط للطائرات العمودية وملاعب للجولف. والمبادرة بمشروع قومي مماثل لإعادة تخطيط القرى التي اختلط فيها ماء الشرب بالصرف الصحي، وحل مشاكل الفلاحين من ري وسماد وبذور وحصاد وتسويق.
7- وضع حدين أدنى وأعلى للأجور، بحيث لا يكون الفارق بينهما أكثر من عشرة أضعاف. وقد كان هذا أحد أهداف الثورة المصرية بعد هزيمة 1967 في بيان 30 مارس، ورفع المعاشات، وعمل مظلة تأمينية للعلاج لجميع المواطنين، وبناء المدارس كما كان الشعار في أوائل الثورة المصرية، مدرستان كل يوم لمحو الأمية، وضمان مجانية التعليم وجودته، منعا للدروس الخصوصية التي أثقلت كاهل الأسرة المصرية. والحرص على التعليم الوطني الذي بدأ يُهمش لصالح التعليم الأجنبي ابتداء من رياض الأطفال حتى الجامعة مع عدم المساس بمجانية التعليم التي هي من مكاسب الثورة المصرية.
8- الإحساس بالأمن في الطريق العام وفي المنازل وفي المؤسسات العامة من العدوان وقطع الطريق، وإرجاع هيبة الدولة، والتمسك بالدور الحقيقي للشرطة وأجهزة الأمن، والإلغاء النهائي لقانون الطوارئ والأحكام العرفية والقبض على المدنيين من الشرطة العسكرية، ونهاية زوار الفجر، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
9- القصاص للشهداء مازال مطلب الثوار. وما صدر من أحكام أخيرة على بعض رموز النظام السابق غير كاف. والعمل على إعادة محاكمة المتهمين في محاكم ثورية دون المساس بحقهم في الدفاع. فالمحاكم العادية تستغرق عدة سنوات بين استئناف ونقض وعدم كفاية الأدلة. والشهيد شهيد له شاهد، والمقتول مقتول له قاتل دون المحاكمات القضائية العادية حتى يبرد دم الشهداء وتبرد قلوب الأمهات.
10- الدفاع عن حرية الإبداع حتى يتبدد خوف الكتّاب والمفكرين والفنانين من عقلية المنع والتحريم. فلا إبداع بلا حرية. ﻓ«سيد قطب» الذي كثيرا ما يذكر له «معالم على الطريق» الذي يعبر عن نفسية السجين في الصراع بين الإسلام والجاهلية، بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل - هو نفسه صاحب «الإسلام حركة إبداعية في الفن والحياة» و«مهمة الشاعر في الحياة» في الثلاثينيات. هو القصّاص والشاعر والأديب والناقد والمفكر قبل أن يتحول في السجن إلى رافض وغاضب.
هذا مجرد تذكير بما وعد به مرشح الجماعة - الرئيس الجديد. مهمته إيصال مصر إلى بر الأمان، والعبور من هذه الفترة الانتقالية التي طالت إلى فترة الأمن والاستقرار مع أكبر قدر ممكن من المكاسب وأقل قدر ممكن من الخسائر، وفي مقدمتها العنف. فيعود الجيش إلى الثكنات. ويسلم المجلس العسكري سلطاته إلى المؤسسات المدنية المنتخبة، الرئاسة ومجلس الشعب. والشعب المصري بما أبداه من سلوك في غاية الرقي والتحضر في ممارسة الديمقراطية قادر على أن يصل إلى بر الأمان.
< السابق | التالي > |
---|