تأبى جامعة الدول العربية إلا أن تكون أداة رخيصة بيد القوى الاستعمارية والإمبريالية الطامعة في احتياطي النفط والغاز في البلاد العربية، وتأبى الأنظمة الرسمية العربية الخاضعة للبيت الأبيض الأمريكي حتى وهي تحتضر إلا أن تخدم تلك القوى المعادية لأمتنا العربية والإسلامية، وذلك عبر توفير غطاء عربي لتدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا، بذريعة حماية الشعب الليبي، حيث سيتخذ "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ليبيا منطلقاً لمشروع تقسيم منطقة شمال أفريقيا واستعمارها.
لم تكترث جامعة الدول العربية للقمع الدموي الذي تتعرض له الشعوب العربية في اليمن والعراق والبحرين وغيرها، وقبلها جميعا تونس ومصر على أيدي جنود الحكام في تلك البلاد وبلطجيتهم، ولم تكترث لما يلاقيه الشعب الفلسطيني من عدوان صهيوني متواصل ضد الحياة والأرض والهوية والمقدسات منذ عشرات السنين، ولم يكترثوا لما تتعرض له القدس من تهويد والمسجد الأقصى من محاولات تدنيس وهدم، وكأنهم ليسوا عرباً، أو أنهم أحجار لا يشعرون بمعاناة أمتنا العربية من الأنظمة الفاسدة واستبدادها وتبعيتها للغرب المعادي لأمتنا، ولكنها تحركت سريعاً عندما طلبت منها الولايات المتحدة منحها غطاء عربياً لتدخلها العدواني في ليبيا، ليس خوفاً على حياة الليبيين، وإنما خدمة للغربيين الطامعين في أمتنا.
وهنا نتساءل: لماذا لا تتدخل الجيوش العربية بنفسها من أجل حماية الشعب الليبي من مذابح كتائب القذافي ومرتزقته وقد تدخلت قبل ذلك ضد العراق عندما احتل الكويت؟ ألا تمتلك هذه الجيوش ترسانات أسلحة متطورة وطائرات حربية حديثة وأموال طائلة، أم أن هذه الأسلحة والطائرات والأموال لا تستخدم إلا في قمع الشعوب العربية والتنكيل بها؟ وإذا كان جامعة الدول العربية تعلم أن دعوتها لمجلس الأمن مستجابة، فلماذا لا تطلب منه أن يحمي الشعب الفلسطيني أيضاً؟
الجواب بالتأكيد واضح، فجامعة الدول العربية تتحرك دائماً في الاتجاه الذي يحدده لها البيت الأبيض الأمريكي، بذرائع واهية وحجج داحضة تذر الرماد في العيون. إن إقدام جامعة الدول العربية على هذه الخطوة غير المحسوبة هو مغامرة ستكلف الشعوب العربية ثمناً باهظاً ومعاناة قاسية وذل وهوان، إذ هي بداية التدخل الغربي في شمال أفريقيا، ولا سيما أن قادة "الناتو" قالوا بوضوح إن الحظر الجوي يستوجب على الحلف التواجد العسكري في ليبيا، وقد بدأ هذا التواجد بالفعل، فقد وصلت فرق استخبارية بريطانية وصهيونية وأمريكية وإيطالية وغيرها إلى الأراضي الليبية، وهي تعمل هناك من أجل تحقيق أطماع الغربيين المستعمرين. كما أن التدخل العسكري الغربي في ليبيا من المتوقع أن يطيل من عمر نظام القذافي وعصاباته، وسيمنح فرصة للغربيين ليتمكنوا من تقسيم ليبيا بالطريقة التي تضمن لهم السيطرة على حقول النفط وخطوط الغاز الطبيعي في بنغازي، وإقامة دولة للقذافي في طرابلس ومحيطها. إن دعوة جامعة الدول العربية مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا بذريعة حماية الليبيين من طائرات القذافي هو بمثابة استغاثة الذئب المفترس لحماية حمل من كلب ضال، وقد يسرت جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى للذئب المفترس بالانفراد بالحمل، مع احترامي للثوار الليبيين، الذين كنا نتوقع منهم أن لا يستعجلوا وأن يحموا شعبهم بأنفسهم.
ويأبى عمرو موسى، الذي كشف بنفسه عن حقيقة تواطئه مع البيت الأبيض ضد أمتنا، وهو يسعى إلى قيادة الشعب المصري في مرحلة ما بعد الثورة إلا أن يبرهن على أنه الرجل الذي يعول عليه الغربيون والصهاينة في الالتفاف على الثورة المصرية وإحباط جهود الشعب المصري الذي يسعى إلى تحرير مصر من هيمنة الأمريكيين والصهاينة، ولا سيما أنه أعلن بوضوح أنه سيحافظ على اتفاقيات كامب ديفيد، وهذا يعني أنه سيبقي سيناء خارج السيادة المصرية لصالح الكيان الصهيوني. فماذا نتوقع من شخص يفرط بسيادة بلده وكرامة شعبه غير أن يقبل بضياع ليبيا.
< السابق | التالي > |
---|